شكلت حالات الاعتقال التعسفي والخطف والاختفاء القسري أحد أبرز وأوسع الانتهاكات المرتكبة ضد حقوق الإنسان في الصراع السوري منذ العام 2011. وبحسب قاعدة بيانات مركز توثيق الانتهاكات في سوريا فقد تم توثيق 72,667 حالة اعتقال وخطف اختفاء قسري منذ آذار/ مارس 2011 وحتى اللحظة. وتعتبر الحكومة السورية أبرز من قام بهذه الانتهاكات٬ حيث سجلت من هذه الانتهاكات 66,922 حالة قامت بها الحكومة السورية بتشكيلاتها العسكرية والأمنية المختلفة ما يشكل أكثر من 92٪ من مجموع الحالات الموثقة أصولاً في قاعدة بيانات مركز توثيق الانتهاكات VDC.
إن أذى هذه الانتهاكات لا يتوقف على الضحية نفسه فقط بل يتعداه إلى أسر الضحايا الذين لا يعلمون في أغلب الحالات شيئاً عن مصير أحبتهم وذويهم. ويتسبب هذا بترك جروح مفتوحة لا تندمل داخل الأسر والعوائل وعموم المجتمع. حيث تتوقف حياة الكثير من ذوي الضحايا بانتظار كشف مصير ذويهم. ويتحكم هذا الاختفاء المفاجىء بمصير العوائل ومستقبلها وحياتها اليومية.
لقد سجلت حالات عديدة في سياقات مختلفة من الصراعات في العالم أن لعبت أسر الضحايا دوراً بالغ الأهمية في التعبير عن مأساة ذويهم وحجم الكارثة. وتشكل مشاركة هذه الأسر ركناً أساسياً في أي عملية عدالة انتقالية مقبلة سيكون مناطاً بها الافساح في المجال أمام تعافي المجتمع واندمال جروح الماضي في سبيل الاستقرار وعدم تكرار ما حدث سابقاً. إذ لا يمكن رسم استراتيجيات واضحة لمسارات العدالة بدون سماع أصوات الضحايا. ويشكل تمثيل الضحايا لأنفسهم ركناً أساسياً في رسم الاستراتيجيات المناسبة والملائمة والقادرة على تنفيذ التحول الكبير نحو الاستقرار الاجتماعي وتجاوز الماضي.
دأبت مؤسسات المجتمع المدني في سوريا على محاولة إسماع صوت الضحايا والتعبير عنهم. لكن دورها يبقى قاصراً إن لم يقترن بتمثيل الضحايا لأنفسهم. وفي هذا الصدد فإن دور مؤسسات المجتمع المدني هو في التشجيع على إنشاء وتأسيس هذه التعبيرات سواء أخذت شكل لجان وجمعيات تستطيع أن تخاطب مؤسسات العدالة الدولية والوطنية ومبادراتها. أو تمثلت بإخبار القصص الشخصية المختلفة والتي تعطي البعد الإنساني المطلوب بشدة في هذا السياق بدلاً من الاستمرار في تقديم الأرقام والاحصائيات الجافة فقط.
كما أن الدور الهام الذي تلعبه المراكز الحقوقية السورية في توثيق الانتهاكات وحفظ سجلات الضحايا سوف يبقى قاصراً عن الإحاطة الحقيقية بحجم الانتهاكات الهائل في سوريا بدون تعاون من الأهالي وأسر الضحايا بمبادرتهم للتوثيق وتقديم البيانات المطلوبة لحفظها من أجل استخدامها في أي عمليات عدالة مستقبلية في سوريا. كما تشكل متابعة الحالات المختلفة وإدخال التحديثات على القيود السابقة أحد أبرز التحديات أمام دقة البيانات وسلامتها. لهذا فإن مركز توثيق الانتهاكات يشجع دائماً على المبادرة بالتواصل مع مندوبيه وموثقيه لتقديم أي بيانات عن الانتهاكات المختلفة حيث تدخل ضمن منهجيته القانونية للتوثيق٬ ويتم حفظها في قاعدة بيانات المركز بشكل سليم يمكن من استخدامها في المستقبل في عمليات كشف المصير ومعرفة الحقيقة٬ أو بناء القضايا الخاصة بمجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
يضطلع مركز توثيق الانتهاكات في سوريا VDC في دعم وتشجيع مبادرات أسر الضحايا وتسهيل اجتماعهم وتقديم الدعم التقني والخلفيات القانونية للانتهاكات المختلفة بما يفيد في فهم أسر الضحايا لامكانيات العمل على قضايا ذويهم باعتبارهم أصحاب المصلحة الأهم في هذه القضية.
في هذا السياق فإن مركز توثيق الانتهاكات VDC بالتعاون مع كل من مؤسسة بصمات والمؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف) وحملة أنقذوا البقية يعقد اجتماعاً كبيراً لأسر وأهالي وذوي المعتقلين والمخطوفين والمختفين قسرياً بهدف أساسي هو تشجيعهم على توثيق حالات ذويهم والتعاون مع المنظمات الحقوقية لحفظ وأرشفة البيانات بالطرق السليمة والصحيحة. كما لدعم أي لجان تمثيلية للضحايا قد تنبثق عن هذا الاجتماع يتطلع المركز للعمل معها ودعمها على المستوى القانوني والتقني كما على مستوى إسماع صوت الضحايا الحقيقيين في الأروقة والمحافل الدولية.
يعقد الاجتماع في 30 تشرين الأول/نوفمبر في شتورا بارك اوتيل شتورا – لبنان