توضيح بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة
توضيح بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالآلية الدولية المحايدة والمستقلة التابعة للأمم المتحدة
كُتبت المقالة التالية بالتعاون بين ثلاث منظمات حقوقية غير حكومية، هي: المركز السوري للعدالة والمساءلة، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، ومركز توثيق الانتهاكات في سوريا. ويعكس مضمونها الآراء المشتركة لهذه المنظمات.
تم إنشاء الآلية الدولية المحايدة والمستقلة (IIIM) للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضـائية للمسـؤولين عن الجرائم الأشد خطورة بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2016. وفي 3 تموز/يوليو، عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس كاثرين ماركي-أويل كرئيس للآلية الدولية المحايدة والمستقلة. ماركي-أويل هي قاضية فرنسية سابقة تتمتع بخبرة دولية واسعة في محاكمة جرائم الحرب والفصل فيها. وخلال مسيرتها المهنية على مدى 27 عاماً، قدّمت ماركي-أويل دعماً قانونياً للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة وبعثة الأمم المتحدة في ليبريا وبعثة الأمم المتحدة للإدارة المؤقتة في كوسوفو. وفَصَلت أيضاً في قضايا في المحكمة الدولية الخاصة بكمبوديا (الغرف الجنائية الخاصة) وتشغل حالياً منصب أمينة مظالم في لجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المنشأة عملاً بالقرار 1267 – وهي تستعرض طلبات رفع الأسماء من قائمة الجزاءات الصادرة عن اللجنة. ويشير تعيينها إلى بداية العمل الجوهري للآلية الدولية المحايدة والمستقلة.
ومنذ تأسيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، عمل المجتمع المدني السوري على دعم الآلية وتوضيح أهدافها ووسائلها. ففي شباط/فبراير، أرسلت عدة منظمات غير حكومية سورية رسالة إلى الجمعية العامة للأم المتحدة تشير إلى أسئلة وتوصيات من شأنها أن تساعد الآلية على فهم أولويات السوريين وتعزيز أهمية الآلية وتعزيز القبول العام للآلية من قبل السوريين. وفي أيار/مايو، عُقِد في لوزان بسويسرا اجتماع بين فريق تأسيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ومجموعة واسعة من منظمات المجتمع المدني في سوريا. ووفّر الاجتماع منبراً ممتازاً لتبادل وجهات النظر، وتقديم التوصيات، وإيجاد فهم مشترك بين الجانبين.
وعلى الرغم من هذه الخطوات الإيجابية، لا يزال لدى بعض السوريين والناشطين وجماعات المجتمع المدني في سوريا تساؤلات حول غرض الآلية وقدرتها على تعزيز المساءلة في سوريا. في حزيران/يونيو، استضاف مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان اجتماع الفريق المرجعي لحقوق الإنسان في تركيا مع المنظمات غير الحكومية السورية لمناقشة آخر التطورات في مجال حقوق الإنسان– بما في ذلك التقدم والتطورات التي حققتها الآلية الدولية المحايدة والمستقلة. وأدّى الاجتماع إلى تفهّم أكبر لولاية وصلاحيات الآلية، وهو أمر لا بدّ من حدوثه لنجاح الآلية. وبما أن الاجتماع لم يكن مفتوحاً للجمهور، فقد حدّدنا خمسة من أبرز المخاوف التي عبّر عنها السوريون، وأوضحناها أدناه لفهم أوسع من جانب الجمهور.
أولاً: الآلية الدولية المحايدة والمستقلة هي نسخة مكررة من لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا.
تتمتع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ولجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بتفويضان مكمّلان لبعضهما البعض ولكنهما متمايزان بشكل واضح. ففي حين تقوم لجنة التحقيق الدولية بالتحقيق في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان المرتكبة خلال النزاع السوري، مع التركيز على تحديد حقائق وظروف الانتهاكات، تقوم الآلية الدولية المحايدة والمستقلة بجمع الأدلة على الانتهاكات وتعزيز تلك الأدلة وحفظها وتحليلها، مع التركيز بصفة خاصة على أدلة الارتباط الجرمي والأدلة المتعلقة بالنية (القصد الجرمي) وأنماط محددة للمسؤولية الجزائية. وستقوم الآلية بحفظ هذه المعلومات وتحليلها، وتقاسمها في نهاية المطاف مع المحاكم التي تقوم بمحاكمة الجرائم الدولية المرتكبة في سوريا.
وتستخدم الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ولجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا أساليب منفصلة لجمع البيانات. حيث تتألف بيانات التحقيق الخاصة بلجنة التحقيق بشكل رئيسي من الإفادات المباشرة للضحايا والشهود والتي يتم جمعها من خلال المقابلات. ولا تعمل لجنة التحقيق بمثابة قاعدة بيانات مركزية للأدلة. وعلى النقيض من ذلك، تشمل منهجية الآلية الدولية جمع الأدلة على نطاق واسع من مصادر متنوعة، بما في ذلك من لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا والدول والمنظمات الدولية أو الإقليمية والمنظمات غير الحكومية. ويمكن لمصادر خارجية أن تشارك أدلتها طوعاً مع الآلية، بحيث يتم إضافتها إلى قاعدة بياناتها. ومن الناحية المثالية، ستقدم لجنة التحقيق جميع بياناتها إلى الآلية الدولية، التي يمكنها بعد ذلك التواصل مع المصادر لتطرح عليهم الأسئلة أو الطلبات للحصول على أدلة تكميلية. ولكن لا تزال هناك حاجة إلى توضيح تفاصيل هذا التدفق للبيانات.
ومن المتوقع أيضاً أن يكون للآلية مشاركة أكثر تواتراً وهادفة مع المنظمات غير الحكومية السورية أكثر مما حققته لجنة التحقيق. وبما أن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة مخولة بالدخول في مذكرات تفاهم مع مصادر خارجية، سيكون لدى المنظمات غير الحكومية وضوح أكبر بشأن شروط علاقتها مع الآلية، وهي المسألة التي كانت دائما غامضة وغير محددة مع لجنة التحقيق. وستتيح مذكرات التفاهم للمنظمات غير الحكومية السورية فرصة لتحديد توقعاتها قبل التعاون، الأمر الذي من شأنه أن ييسّر التفاعل والمنفعة المتبادلة.
وأخيراً، وعلى عكس لجنة التحقيق، لا يُتوقع من الآلية الدولية الإفصاح عن عملها علناً. ففي حين عملت لجنة التحقيق سابقا على نشر تقارير عن التحقيقات التي تجريها اللجنة بشكل علني وتتضمن النتائج والتوصيات؛ ليس مطلوباً من الآلية الدولية الإبلاغ عن عملها الجوهري بشكل علني. وعلى الرغم من أن الآلية ستُصدر تقارير مرحلية دورية، لن يطّلع الجمهور عموماً على ما توصلت إليه من نتائج إلى بعد أن تُرفع دعاوى قضائية.
ثانياً: الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لا ترفع دعاوى قضائية.
إن الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ليست محكمة أو مكتب مدعي عام أو هيئة قضائية، ولكن الغرض من الآلية هو جمع المعلومات وتعزيزها وتحليلها ومشاركة المعلومات مع المحاكم أو الهيئات القضائية الوطنية أو الإقليمية أو الدولية التي تتمتع حالياً أو قد يكون لديها في المستقبل ولاية قضائية على الجرائم. وإن مهمة رفع الدعاوى هي بالضبط ما يجعل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة أداة قوية محتملة للعدالة والمساءلة في سوريا. ولا يعني رفع القضايا أن الآلية هي التي ستحاكم القضية، ولكنها ستخفف من عبء التحقيق الذي يتحمله المدعون العامون. وما زالت المحاكم التي ستشارك الآلية الملفات القضائية معها بالضبط غير محددة. ومن المرجح أن تشمل محاكم أوروبية، ولكن مكان المحكمة سيعتمد كلياً على الأدلة التي تجمعها الآلية ومكان وجود المشتبه بهم. وفي المستقبل، إذا أنشأت محكمة دولية خاصة بسوريا أو حصلت المحكمة الجنائية الدولية على ولاية قضائية على سوريا، ستتمكن الآلية من تقديم ملفات قضاياها لتلك الكيانات أيضاً. وبالفعل، كان فريق تأسيس الآلية الدولية على اتصال مع مكاتب النيابات العامة في العديد من البلدان، ويعمل على تطوير طريقة للتواصل مع تلك المكاتب وتشارك الملفات معها.
ثالثاً: الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ستشارك في المعلومات والقضايا مع الحكومة السورية.
أوضحت الأمم المتحدة عند تأسيس “الآلية” أن الآلية لن تشارك ملفات القضايا وبياناتها إلا مع المحاكم أو الهيئات القضائية التي تحترم القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في محاكمة عادلة، وحيث لا تُطبّق عقوبة الإعدام على الجرائم قيد النظر. وإن الانتهاكات الموثقة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الحكومة السورية الحالية تستبعدها تماماً من الوصول إلى أي ملفات قضايا أو بيانات أو أدلة ذات صلة بالآلية. ويجب على المدعين العامين الحكوميين الراغبين في الحصول على معلومات من الآلية أن يبرهنوا على وجود جهود متواصلة وناجحة من جانب حكومتهم للالتزام بالمعايير المعترف بها دولياً لحقوق الإنسان وأصول المحاكمات. وإذا كان هناك انتقال سياسي ناجح في سوريا، فإن أي حكومة لاحقة تسعى للفصل في القضايا أمام محاكم سورية الوطنية باستخدام أدلة وبيانات من الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، سيتعيّن عليها أن تُظهر سجلاً قوياً لاحترام سيادة القانون والمعايير القانونية الدولية.
رابعاً: الأمم المتحدة لا تموّل الآلية التي أنشأتها.
تعتمد الآلية الدولية المحايدة والمستقلة حالياً وبشكل حصري في تمويلها على التبرعات المقدمة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بدلاً من التمويل المباشر من الأمم المتحدة. ولكن قد يكون هذا التصميم مؤقتاً. ولأن الآلية لا تزال في مراحلها الأولى، فإن الأمم المتحدة لم تخصص بعد الأموال اللازمة لها. وقد اعتمدت الآلية على تبرعات قدّمها عدد صغير من الدول الأعضاء لبدء عملها على وجه السرعة. وفي حين يتم حثّ الدول على تخصيص تمويل متعدد السنوات للآلية، فقد شجّع الأمين العام للأمم المتحدة الجمعية العامة على بحث توفير تمويل للآلية في أقرب وقت ممكن، مما يشير إلى إمكانية تخصيص أموال للآلية من تمويل الأمم المتحدة في المستقبل.
ولا تقبل الآلية أي تبرعات من جهات غير حكومية حالياً. وفي المستقبل، سيتوقف القرار تماماً على قيادة الآلية لوضع إطار تمويل دائم يحافظ على حياد الآلية.
خامساً: الآلية الدولية المحايدة والمستقلة هي الجهة الوحيدة القادرة على رفع القضايا.
لا تملك الآلية حقاً حصرياً في رفع القضايا، ولن يحول وجودها دون رفع القضايا بشكل منفصل عنها من قبل المنظمات غير الحكومية. وتعد من الممارسات السليمة السماح لمجموعات الضحايا والمتطوعين والمنظمات غير الحكومية برفع قضايا من هذا النوع متى أمكن ذلك. وفي حال قامت مثل هذه المنظمات برفع دعاوى منفصلة عن الآلية، فإننا نشجعها على القيام بذلك بطريقة مكملة لعمل الآلية، ولا تسعى إلى التنافس معها.
وعلى الرغم من أن تقديم القضايا ليس حكراً على الآلية، فإن الآلية ملتزمة بحكم تصميمها بأعلى مستويات الحياد والاستقلالية وجمع البيانات ذات الجودة العالية من خلال شبكة الموارد الضخمة التي تملكها. لهذه الأسباب، فنحن ملتزمون جميعاً بتقديم القضايا مباشرة من خلال الآلية الدولية المحايدة والمستقلة من أجل الاستفادة من هذه المزايا والموارد. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم منظماتنا الثلاث بالاستجابة لطلبات المدعين العامين بشأن أية قضية لمحاسبة منتهكي القانون الدولي في سوريا، بغض النظر عن المنظمة أو الكيان الذي يرفع القضية.
لمزيد من المعلومات أو لتقديم الآراء وردود الأفعال، يرجى الاتصال مع:
المركز السوري للعدالة والمساءلة على [email protected]
مركز توثيق الانتهاكات في سوريا على [email protected]
سوريون من أجل الحقيقة والعدالة على [email protected]