شهادة المعتقل : أحمد وليد فاتو

شهادة المعتقل : أحمد وليد فاتو – تولد 1978

حول الفرع 248 أمن عسكري – سجن صيدنايا العسكري

مركز توثيق الانتهاكات في سوريا

فبراير / شباط 2017

  • مقدمة :

يحاول مركز توثيق الانتهاكات في سوريا من خلال نشر هذه الشهادة الجديدة حول الأفرع الأمنية التابعة لشعبة المخابرات العسكرية ( 248 أمن عسكري في دمشق – فرع الأمن العسكري في اللاذقية) ، وسجن صيدنايا العسكري في ريف دمشق ، جمع أكبر قدر من الأدلة والشهادات الإضافية التي تصف حجم معاناة المعتقلين في أقبية أجهزة الأمن السورية. كما يحاول تسليط الضوء على الوسائل الوحشية للتعذيب الممنهج التي يتم اتباعها من قبل أجهزة الحكومة السورية لإجبار المعتقلين على الإدلاء باعترافات تحت الضغط والإكراه.

تنقسم شهادة المعتقل (أحمد وليد فاتو) إلى قسمين، يشمل الأول أبرز مشاهدات المعتقل في فرعيّ الأمن العسكري في اللاذقية وفرع 248 في دمشق، ومفرزة الشرطة العسكرية بدمشق. بينما يركز القسم الثاني على أبرز مشاهدات المعتقل أثناء فترة وجوده في سجن صيدنايا العسكري سيء السمعة.

  • أحمد وليد فاتو، من مواليد محافظة اللاذقية – مدينة الحفّة – قرية مرج خوخة ويبلغ من العمر 39 عام. متزوج ولديه ثلاثة أطفال ، كان يعمل في تربية النحل. تاريخ الاعتقال 8-3-2012  وتاريخ الإفراج  13-6-2014.

“سوف تنشر هذه الشهادة على جزئين. يعرض القسم الاول لمراحل الاعتقال التحقيق وبدء المحاكمة. ويعرض القسم الثاني للسجن والتعذيب ثم الافراج” 

القسم الآول من شهادة المعتقل السابق أحمد وليد فاتو (الاعتقال والتحقيق والمحاكمة):

في حوالي الساعة السادسة صباحاً من يوم الخميس الموافق 8 آذار/ مارس عام 2012، تم مداهمة منزلي من قبل قوة أمنية، وكانت المداهمة نتيجة لحملة اعتقالات على القرية بسبب ارتفاع وتيرة الاحتجاجات السلمية في القرية، كان حصاد هذه الحملة العشرات من المعتقلين في القرية وأذكر منهم:

” مازن م ، محمد ش ، أركان ش، عصام ا “

كان يتم الاعتقال بشكل عشوائي ودون وجود قوائم اسماء محددة، بالنسبة لي أنا شخصياً، لم انخرط في العمل السلمي للاحتجاجات ولم يكن لي أي نشاط سياسي أو مدني أو إغاثي، غير أني خرجت لمرة واحدة في إحدى المظاهرات السلمية.

بعد ما تم جمع أعداد كبيرة من المعتقلين في القرية، تم نقلنا عبر حافلات إلى مفرزة الأمن العسكري في منطقة سلمى بمحافظة اللاذقية. وحال وصولنا إلى المفرزة كانت هناك أعداد كبيرة من المعتقلين الآخرين الذين تم جلبهم من قرى وبلدات مجاورة، كان الجميع معصوبي الأعين وممدين على الأرض، لم أستطع التعرف على أيّ منهم. انتظرنا في الحافلات لمدة ساعة تقريبا مقيدي الأيدي، وأذكر أيضا أنهم انهالوا علينا بالشتائم  والضرب بواسطة عصيّ غليظة كانوا يحملونها. كان نصيب الشاب “مازن ا” الذي قضى تحت التعذيب لاحقاً في سجن صيدنايا العسكري، القدر الأكبر من الضرب والتعذيب،  فقد مددوه على أرضية الحافلة و قاموا بركله بواسطة بساطيرهم في كافة أنحاء جسده حتى شارف على الموت.

تم نقلنا عبر الحافلة دون أن نتبين وجهتنا، ومع مرور المزيد من الوقت استطعت استراق النظر عبر نوافذ الحافلة  وشاهدت حينها  ” دوار الهارون ”  في مدينة اللاذقية، وعادة ما تكون المسافة بين سلمى واللاذقية هي 45 كم. على طول الطريق الواصل بين مدينة سلمى ومدينة اللاذقية كان لزاماً علينا ترديد شعارات عديدة مثل ” بالروح والدم نفديك يا بشار” وغيرها، ناهيك عن الشتائم والضرب المستمر بالعصي والأقدام، علما أننا كنا مقيدين الأيدي من الخلف ومشلولي الحركة.

بعد مضي فترة زمنية  وصلنا إلى مكان مجهول، لكني كنت موقناً أننا مازلنا داخل مدينة اللاذقية، أذكر أنه تم إنزالنا عبر درج إلى طابق سفلي وكان الدرج مكون من حوالي 20 طبقة، تبين لنا لاحقاً أننا داخل فرع الأمن العسكري في مدينة اللاذقية. بعد ذلك تم رصفنا بشكل متسلسل وكانت وجوهنا متجهة لجدران الزنزانة، وبالطبع كنا مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين، ومن ثم تم إدخالنا ليتم تسجيل أسمائنا واحدا تلو الآخر قبل أن تتم إعادتنا مجدداً إلى الوضعية السابقة.

أذكر حينها أن العصبة الموجودة على عيني كانت مرتفعة قليلا وغير ثابتة ما مكنني من استراق النظر قليلا باتجاه الاسفل فقط. شاهدت حينها أقدام أحد المعتقلين السابقين الموجودين في الزنزانة. كانت قدماه متورمتان ومنتفختان  بشكل مخيف وكان لونهما ازرق و ينزفان دماً قاتم اللون، شعرت بالخوف الشديد حينها وكنت أطمئن نفسي على الدوام بأنني لم أقترف أي شبهة يمكن أن تودي بي أو تدينني بعقوبة قاسية.

بعد مضي المزيد من الوقت، قاموا بإدخالنا واحدا تلو الآخر الى غرفة خاصة بالتحقيق، وقبل دخولنا الى غرفة التحقيق تم حزم القيد على أيدينا بشكل قاسي جداً الى الخلف، شعرت حينها أن يداي ستنفصل عن باقي جسدي، ومن ثم تمديدنا على الأرض بشكل أفقي ووجهنا باتجاه الأرض.

خرج المحقق وسألنا من سيعترف أولاً  ؟ فأجبته أنا سيدي.

ادخلني غرفة التحقيق وسألني بماذا ستعترف ؟

أجبته أني لم أفعل شيء لاعترف.

أثار جوابي نوبة جنونية من الغضب لديه وقام بركلي وضربي لمدة ساعة تقريباً، حتى تورمت عيناي بشكل كبير، و فقدت القدرة على الرؤية بشكل جيد. قاموا بسحبي إلى الخارج و ابقائي على الوضعية السابقة  مجدداً. استمرت جلسات التعذيب مع بقية المعتقلين وتفاوتت شدة التعذيب من شخص لآخر، بعض الأشخاص فقدوا وعيهم نتيجة شدة التعذيب وكنت اسمع المحقق يأمر العناصر بجلب المياه الباردة لإيقاظهم بينما كان معتقلين آخرين  يصرخون صراخاً قوياً وغريباً دون أن نسمع أصوات ضرب أو ما شابه. خرج المحقق مجدداً وطلب من العناصر نقلي إلى المنفردة وقال لهم ”  توصوا به جيداً ، لا تدعوه يجلس أو ينام ولا تسمحوا له بالطعام طوال 24 ساعة وممنوع أيضاً من دخول الحمام.”

بعد مضي حوالي 24 ساعة تم نقلي مجددا إلى غرفة التحقيق، وتم تمديدنا مجدداً على الأرض، والتقيت حينها بعدة أشخاص من منطقتي تفاجأت بوجودهم وأذكر منهم  ” د. محمود ص، د. عمار د، مازن ا،  يوسف ع، ياسر ط.” والذين تم اعتقالهم قبلنا بثلاثة أيام، وكانوا يعانون من آثار تعذيب كبيرة جداً فقد كان ياسر الطفران يعاني من تآكل اللحم في معصميه نتيجة أِحكام  القيد على معصميه.

أدخلوني مجدداً إلى غرفة التحقيق وطلب مني المحقق مجدا أن اعترف،  فأجبته أني لا أملك أي معلومات تذكر كي أخبره بها. فطلب من العناصر مجدداً  أن “يتوصوا ” بي. كان العناصر يستخدمون أثناء ضربنا كابلات ثخينة جداً وكان وقعها على الجسد ثقيلاً للغاية، استمرت حملة التعذيب حوالي ساعتين. ثم حاولوا أن يدخلوني في ” الدولاب ” لكنهم عجزوا عن ذلك بسبب حجمي الغير مناسب،  فطلب المحقق من شخص يدعى أبو علي بإنزالي و ” شبحي “

في اليوم التالي تم انزالي لغرفة الشبح وهي طريقة تعذيب تعتمد على تقييد اليدين من الأمام بشكل محكم جداً ومن ثم يقوموا بربط القيد الحديدي عبر حبل وسحبه للأعلى ، حتى يصبح الشخص معلقا في الهواء. تم إيقافي حينها على كرسي وقام السجان بسحب الحبل مجدداً للأعلى.

ثم قام المحقق بتوجيه سؤاله لي مجددا :

– هل ستعترف أم لا ؟

– فأجبته بأني لا أملك أي معلومات أعترف بها. فطلب من المحقق سحب الكرسي من تحت أقدامي. لأصبح معلقا في الهواء.

أذكر أني نظرت للأعلى باتجاه يدي وسمعت صوت انسلاخ اللحم  نتيجة انغراس القيد الحديدي حول معصمي. بقيت على هذه الحال لمدة أربع دقائق ثم فكرت بأني سأعترف له بما يريد وعلى أي تهمة يختارها فقط لأنجو بنفسي من هذا العذاب الغير المحتمل. فقلت له يا سيدي سأعترف بمعلومات هامة جداً.

بعد انقضاء فترة في المعتقل التقينا ببعض الشباب ممن تم اعتقالهم في السابق وكان أغلبهم قد تم اعتقاله بشكل عشوائي دون توجيه تهم محددة. من بينهم كان هناك شخص أعرفه بشكل شخصي اسمه “مازن ا” تم استدعائه لمكتب العميد وقام بتهديده إما بالاعتراف أو أنه سيقوم بجلب زوجته للاعتداء عليها أمام عينيه. طبعا اعترف مازن على أفعال لم يقترفها في حياته ووقع عليها مكرهاً نتيجة التهديد الذي مورس عليه من قبل العميد. لم يكن مازن هو الوحيد فقد اعتمد نفس التهديد مع “ياسر ط ” الذي أُرغم أيضا على الاعتراف بجنايات وتهم لم يفعلها.

ضرار ح” شاب خرج مظاهرة واحدة فقط ، قاموا بسكب المياه المغلية على ظهره ما أدى لحدوث فجوة كبيرة سرعان ما تقيحت وبدأت تتعفن إضافة لقيامهم بقلع أظافر يديه وأقدامه.  أعتقد أن وضع ضرار كان الأسوأ بيننا فقد تم تعذيبه بشكل كبير جداً وكنا نتوقع له النهاية في أي لحظة. قضى ضرار لاًحقا في سجن صيدنايا نتيجة للإهمال الطبي .

  • في  الفرع 248  وقيادة الشرطة العسكرية بدمشق :

على نفس الوتيرة التي تم نقلنا بها من مدينة سلمى إلى مدينة اللاذقية، تم استخدام ذات أساليب التعذيب التي مورست علينا على طول الطريق من اللاذقية إلى دمشق، والتي استغرقت حوالي أربع ساعات.

بعد وصولنا لمدينة دمشق اقتادونا إلى مكان غير معلوم، وقاموا بإنزالنا تقريبا 15 درجة تحت الارض يمينا ثم 15 درجة أخرى من جهة اليسار وكان عددنا حينها حوالي 8 أشخاص، اذكر منهم

“د. محمود ص٫  د. عمار د،  ياسر ط٬ ضرار ح، عمار ح، مازن م، محمد ش”

قاموا بإدخالنا لغرفة قرابة الساعتين ومن ثم  قاموا باقتيادنا إلى مهجع كانت مساحته حوالي 4*3 متر، تحتوي على 38 معتقل.

بعد مضي القليل من الوقت بدأنا نتناول أطراف الحديث من معتقلين سابقين حيث تبين لنا آننا في الفرع 248 أمن عسكري. لم نكن نستطيع الخروج من المهجع الا كل 15 يوم للحلاقة. وفي إحدى المرات قاموا بتصويرنا واعطائنا أرقام خاصة لكل منا، مكثنا في الفرع حوالي 55 يوما.

بتاريخ 18- 5- 2013 تم نقلنا بواسطة حافلات إلى مكان مجهول وعند اقتراب وصولنا، لمحت بعض العناصر “حرس” وهم يرتدون احزمة وأغطية رأس حمراء حينها ايقنت اننا وصلنا لمكان يتبع للشرطة العسكرية، وعند اقترابنا أكثر استطعت التأكد من وصولنا لإدارة الشرطة العسكرية في حي القابون بمدينة دمشق، ما أثار مخاوفي بشكل كبير، لأن الشرطة العسكرية مكان مخصص للمحاكمات العسكرية الميدانية ونحن  عبارة عن أشخص مدنيين ولسنا عسكريين. عند وصولنا تم إدخالنا لساحة كبيرة يتواجد بها معتقلون سابقون، بقينا جالسين فيها تحت أشعة  الشمس من الساعة التاسعة حتى  الساعة 12 بشكل تقريبي. ثم بدأت المحاكمات، تم إدخالنا بشكل فردي الى غرفة المحكمة، فيها كان القضاة عبارة عن شخصين مدنيين يرتدون لباساً مدنياً وثالث يرتدي بدلة عسكرية برتبة لواء، إضافة لكاتب يقوم بتسجيل أقوال الموقوفين.

يعرض القسم الثاني من شهادة المعتقل السابق أحمد وليد فاتو لمراحل السجن والتعذيب والإفراج.